على طول الشواطئ الجنوبية لمضيق جبل طارق تنتشر عشرات القرى الصغيرة(الدشورا بالدارجة الأنجرية) التي تتوزع دورها المتواضعة البيضاء بين الجبال وكأنها أجرام صغيرة لامعة سقطت من السماء. وفي قمم الجبال أو سفوحها أو على الهضاب يتحرك الناس بسحناتهم البيضاء المائلة إلى الشقرة، أو هي الشقرة بــــــعينها.
المغاربة ذوو الأصول الموريسكية(المورو بالتعبير الاسباني القح) الذين يقطنون هذه القرى هم من أكبر المنسيين في تاريخ 'الهولوكوست الأندلسي' الذي شرد ملايين الأندلسيين وأحرقت وقتلت الكثيرين منهم قبل وبعد سقوط غرناطة.
هذه المنازل ذات الطابع الثلاثي الفريد والقرى البيضاء ربما كانت في هذه المناطق منذ قرون لأن سكانها هم أحفاد أولئك الموريسكيين الذين نزحوا إلى هذه المنطقة هربا بجلدهم من محاكم التفتيش الكاثوليكية.
القرى والبوادي الممتدة من حدود طنجة شرقا إلى حدود تطوان وامتدادا حتى مدينة شفشاون، كلها تقريبا تنتمي لقبيلة واحدة عملاقة اسمها قبيلة “أنجرة”، وهي أكبر قبائل جبالة على الإطلاق، ولا يزال نفوذها يمتد إلى مناطق واسعة من مناطق جبالة في شمال المغرب.
كان أغلب النازحين أو المهجرين من الأندلس يبحثون في المغرب عن أمكنة تشبه أو تتماثل أحيانا مع المناطق التي هجّروا منها. كانوا يريدون أن يشعروا بأنهم يمكن أن يعوضوا فردوسهم الضائع بفردوس آخر ولو أنه أقل قيمة في أشياء كثيرة، لكن منطقة شمال المغرب منحت الكثيرين من هؤلاء طبيعة خلابة جعلتهم يحسون ببعض السلوى ولا يموتون غبنا بسبب تلك الدياسبورا الرهيبة التي شردت شعبا كبيرا في كل الاتجاهات.
هكذا استقر الآلاف من الأندلسيين في سواحل وجبال وسهول قبيلة أنجرة، وهكذا توارثوا تلك المنطقة أبا عن جد معزولين عن باقي العالم، وهكذا ظلوا إلى اليوم يمثلون أحد أكثر الأعراق الأندلسية “صفاء” بالمعنى البيولوجي وليس بالمعنى العنصري.
ومن الغريب أن الناس يتحدثون عن الموريسكيين أو الأندلسيين في تطوان والشاون وسلا والرباط وفاس ومكناس ومراكش، وهي المدن التي اختلطت اجتماعيا وقبليا، وينسون هذه القبيلة التي يمكن اعتبارها آخر قلاع الأندلس في العالم لأنها ظلت كما هي منذ 500 عام؛ وأركز على كلمة 'كما هي/الأصل'.
0 التعليقات:
إرسال تعليق